بيغ بن ام عواد -الحلقة الاولى

هاهو صوتها المميّز يملأ أسماع

اهل الحارة الذين اعتادوا على سماعه سنوات طويلة
فلا تكاد تمرّ نصف ساعة من ساعات النهار دون
ان يكون لصوتها المعروف حضورا لا يغيب
تلكم هي -ام عواد - بطلة قصتي لهذا اليوم .

أصبحت في الحارة كساعة بيغ بن عند اللنديين.

انما الفارق بينهما كبير..

فساعة بيغ بن تدق كل نصف ساعة.
وعند اكتمال الساعة فقط لتعلن اشارة الوقت
بينما - ام عواد - تزيد على ذلك

بتحررها من الوقت والانطلاق الى المنوعاتفهي متحف متكامل من وكالات الانباء والاخبار العاجلة والمنظمات الدولية
(( الاونروا )) التي تقدم المساعدات بلا حدود
اهل الحارة لا يستغنون عن خدماتها...

وكيف يمكنهم ذلك وقد رضع اكثر اطفالهم من صدرها..

كان هناك فرع خاص

لتقديم الحليب الساخن من ماركة ( أماه ) لكل طفل
واصبح عدد الاطفال الذين رضعوا منها

في الحارة يزيد على عدد حارة شعبية مزدحمة في الصين
أم عواد...بيغ بن الحارة...

اليكم التفاصيل:

كان ابو عواد يهوى تربية الدجاج والحمام والبط..

شغله الشاغل هو اعداد الخبز المنقّع بالماء ونثر الحبوب في ساحة المنزل .

وسعادته تكمن في رؤية مناقير الطيور وهي تلتقط الحبات المتناثرة .

واهتمامه بهذه الطيور يفوق اهتمامه باهله وزوجته اضعافا مضاعفة.

ونتيجة لهذه العادة المتراكمة على حياته بالفطرة
وجدت ام عواد نفسها على هامش حياته
وانتظرت سنوات طويلة على امل عودته فطال انتظارها بدون فائدة.

وهامت على وجهها في بيوت الحارة وأزقتها بحثا عن سلوى لوحدتها.

وهربا من جحيم زوجها الذي لا يطاق.

ومما ساعدها على تنمية هذا التنقل اليومي

في الحارة هو عدم مساءلتها من ابو عواد
للاستفسار عن سبب غيابها.

وجدت نفسها متحررة من كل القيود.

ونمت شعبيتها في الحارة يوما بعد يوم.

حتى أصبحت تعيش في بيوت الحارة كملحق عائل في سجلات الخليجيين.

وكانت تحمل في شخصيتها دفئا وعذوبة لسان.

وتتمتع بجمال كبير.

وابتسامتها الدائمة تجعلها قريبة من القلب بأول مقابلة.

تدخل الى البيوت بدون استئذان..

فهي مؤتمنة ولم يسبق لاحدى الجارات ان شكت من تصرفاتها ومن زلاتها.

وهي خفيفة الظل..تساعد الجميع بدون تمييز.

ما ان يحظر اليها احد الاطفال ويخبرها بأن والدته
تريدها حتى تنطلق بشكل فوري لتلبية النداءهاهي الان في بيت ام خالد

وهي على موعد مع ام علي التي

ارسلت بطلبها قبل قليل.

أخبرت ابن ام علي انها قادمة بعد الانتهاء من قلي هالبيضنجانات لام خالد.

وتابعت طريقها الى بيت ام علي التي استقبلتها بوابل من البوسات الترحيبية.

قالت ام علي:

- يرحم والديك ام عواد ديري لي هالغسالة دورتين ليما

أودّي هالولد عالمستوصف تا أضربه ابرة
يا سواديني البارحة ما نام من السخونة..

فشهقت ام عواد وقالت وهي تلمس جبين الولد:

- لا ..ماشاء الله حرارته زينة..

روحي يا اختي انشالله معافى..

ديري بالك لا يعطونك شراب او تحاميل..

ترى السخومة ما يفيدها الا الابرة..

ترى بعض الابر مو زينة..

احسن شي أم الكرتونة الحمرا.

- الله يسمع منك يا ام عواد..والله قلبي مثل النار..

فليست عباءتها وغادرت باتجاه المستوصف.

بينما تمشلحت ام عواد وزمّت كوم الهدوم
وحطّته بالغسالة وادارت المفتاح
بعد نصف ساعة تقريبا عادت ام علي ويبدو ان طفلها قد تعافى..

بدا ذلك واضحا من ابتسامته واحمرار خديه وشفايفه.

وهاهو يقرط بسكويت من دكان الحاج نوري بقرنة الحارة

حيث ساعده قرط البسكويت على التغلب على الالم
تهلل وجه ام عواد وقالت بفرح وهي تلمس جبين الولد
الذي هرب بوجهه الى الجهة الثانية لبرودة يد ام عواد
راح الشر وانتشر....

على الشوك والحجر...

ماشاء الله ..معافى يا عيني..

شكرت ام علي ام عواد واثنت على وقوفها معها .

قالت ام عواد:

- يا خيتي...ما لسه الا هالثمّ...بس تقف الغسالة طلعي الهدوم وشرّيهن.

- انطاك الف عافية..

- يالله بخاطرك اريد اروح اسوي لي مشوار على دكان
وعند الباب..

استوقفها أحد الحمالين وسألها:

- بالله وين بيت ابو شهاب؟؟؟

- قالت ام عواد وهي تشير باصبعها الى بيت ابو شهاب بطرف الحارة:

شايف هذيك الشجرة؟؟؟ اللي عند الطرطورة؟؟؟

قال الحمال :

- اي..

قالت:

هناك بيت ابو شهاب..بابهم ازرق ومرسوم عليه طيارة..

ها شكون شايل بالعربانة؟؟؟

قال الحمال:

هاي باجة ومصارين بعثها ابو شهاب

وقال لي:

-خلي ام شهاب تلحّقها اليوم عالعشا.

ودفع العربانة وقصد بيت ابو شهاب

بينما دخلت ام عواد الى بيت ام حسين

التي استقبلتها ايضا بوابل من بوسات الاشتياق
وكأنهما قيس وليلى.

- شلونك يا اختي؟؟

- الحمد لله..والله مشتاقة لك يا خيتي..

- شكون عندك اليوم؟؟

- والله شفت الجو صحو ودافي قلت اريد اقضّ هاللحف وأخوّصهن..

- عين العقل..ما شاء الله اليوم خوش نهار..

ابشري..الحز اعاونك ..

قالت ام حسين:

والله اليوم عجنت لي شوية عجين..وانشالله شوية انوب
بس اخلص من اللحف اسوي لي شوية سنبوسكات
وعندنا تالي طبخة بامية من البارحة ..تطلع غدا ما شي حالو..

- عفية..والله يا اختي كل شي عالعافية زين..

ناولت ام حسين اللحاف لام عواد وقالت:

- خذي يا اختي بلشي بالقضّ ليما أجيب لك

طاسة شنينة جابتلنياها وحدة مشهدانية اليوم الصبح
ما شاء الله بقرتها دسمة ولبنها ثخين عبالك خاثر.

بلعت ام عواد ريقها من شدة تأثرها بوصف ام حسين

المغري وتابعتها وهي تتجه للبراد لاحضار الشنينةتناولت
منها الطاسة وبدأت تلظ الشنينة بصوت خفيف يصدر

من بلعومها كصوت الجزمة المليئة بالماء في يوم ماطر
وعقّت الطاسة عقّة واحدة..

وعندما انتهت كان هناك برواز من اللبن الابيض يحيط بفمها لشدة ثخن اللبن.

تريعت وقالت:

الحمد لله..اللهم زد وبارك..

قالت ام حسين:

امانة والخطية برقبتك خليني اجيب لك طاسة انوب ترى عندنا قدرية مليانة..

قالت ام عواد:

طافت بطني..الله يرحم امك وابوك معد اقدر اتنفس..

ثم مسحت اللبن من فمها باكمام فستانها

]وانطلقت مع ام حسين في قض الخيوط القطنية من اللحاف
وبعد الانتهاء من العمل ودّعتها قائلة:

- بخاطرك يا ام حسين..انا رايحة على ام شهاب اعاونها بسمط الراس..

المسكينة وحدانية وتستاهل العينة..

خرجت بعد ان لبست عباءتها وبدأت تشحط بحفايتها متجهة الى بيت ابو شهاب.

وعندما اقتربت بدأت رائحة الشعر المسلوق تفوح من بعيد.

دخلت ووجدت ام شهاب تنتف بالرأس لتنظيفه..

سلمت عليها وشمرت اردانها للمساعدة فحلفت عليها ام شهاب ان لا توسّخ يديها.

قالت:

- وداعة الله ما تمدّين ايدك عالسمط..

انا نقّعت لك الرز وعندك البهارات والتوابل واللحمة..انتي عليك تحضير التبلة.

قالت ام عواد :

- ايشري يا ام شهاب..

وين البقدونس؟؟

- عندك بباب البراد ..محطوط بالكيس الاسود..

احضرت ام عواد البقدونس وبدأت بتحضير التبلة وقالت لام شهاب:

- منو عندكم اليوم؟؟

- والله يا خيتي..من البارحة قال ابو شهاب يمكن بكرة يجونا ضيوف من الشويط..

تا يشترون الحوالي..

قلت اريد اسوّي لهم عشا..

والله كل ما اروح عالشويط ما يدشروني الا اتغدى..

- قالت ام عواد:

- اي والله..هاي من الزينات..ابو شهاب قدها وقدود..

وهو صاحب واجب..

بعد الانتهاء من تجهيز

المصارين والكرشة والرأس طلبت ام شهاب من ام عواد

ان يجي ابو عواد عالعشا..

قالت ام عواد:

- يبوووووووووووه..بالله كل عقلك؟؟؟

والله ما يدشّر الحمام والدجاج لو تذبحون عشرين بعير..

ضحكت ام شهاب وقالت:


- عثاري عشاه يصل الى بيته..

بس انتي لا تتأخرين يا ام عواد..

تعرفيني وحدانية وما استغني عنك.

قالت:

ايشري...

انشالله ما تغيب الشمس الا انا عندك..

ودعتها وخرجت قاصدة البيت..

وفي الطريق سمعت المنادي

في المسجد المجاور يؤذن لصلاة الظهر..

- الله اكبر..الله اكبر..

فردّت بصوت عالي..

الله اكبر اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله.


يا رب استر علينا ولا تحرمنا الجنة بجاه كل من الو جاه.

دخلت الى البيت فوجدت ابو عواد يطش حب للحمام قالت له:

- قوم توضّى وصلي أحسن مو قاعدلي تيت وما تيت..

هذول ما ينفعونك بكرة يوم القيامة..

القبر شبر وفتر..

ابو شهاب لم يروق له هذا الكلام فقال:

- لا..اللي ينفع يوم القيامة فوتاتك وطلعاتك من بيت لبيت..

انعن ابو روح اللي بلاني بيك..


فتركته ودخلت الى الحمام..

هي معتادة على سماع نفس الاسطوانة..

خرجت وتوضأت ثم أحضرت السجادة وتوجهت للقبلة قائلة:

الله اكبر الله اكبر

اشهد ان لا اله الا الله

واشهد ان محمدا رسول الله.

حي على الصلاة

حي على الفلاح.

قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة..

الله اكبر الله اكبر .

لا اله الا الله.

نويت ان اصلي فرض الظهر الحاضر
اربع ركعات متوجهة للقبلة الشريفة نويت الله اكبر
فقال ابو عواد:

- الله اكبر على راسك وراس ابوك..

فقطعت الصلاة وسلمت وهي واقفة والتفتت اليه وقالت:

- خليني اصلي...انشالله تلحق ابويا..

وتابعت..

الله اكبر..الله اكبر..

الى اللقاء بالحلقات التالية

بيغ بن ام عواد

مجد101