المدلل

هذا يا معوّدين البقا والسلامة كان بي واحد من ربعنا عاش مدلل عند أمه وابوه...
يقعد الصبح يلقى الفطور قدامو والخبز حار .
يعبّي بطنو ويعق الحليب ويشرب الشاي ويلبس كلابيته ويطلع عالسوق الى ان يصير موعد الغدا ويجيك يشحط بكلاشو وطاعج رقبته يتصوصع يدوّر ثريد.
طبعا...
المدلل مدلل...
ابوه مهو مقصر معاه..وامه تجيب وتدحس بجيبو من غير ما يعرف ابوه..
ورفيجنا عايش بيها لا هم ولا غم.
والادهى من ذلك ما يحلف ابوه الا براس علاوي..
أجا علاوي..راح علاوي..
الى ان صار راس علاوي منفوخ وكبران من المديح مثل راس البغل.
صار شاب..
لازم يسعى من اليوم ورايح تا يشتغل ويجيب لامه ولابوه ولمستقبله.
بكرة علاوي بس يروح عالكويت يكثّر علينا الفلوس والخرجية.
يجيب سيارة تا نكزدر بيها.
نعمّر لنا بيت ...
نزوجه ونفرح بيه.
قال الكويت وصنع الكويت الى ان صار علاوي مالو شغلة غير متابعة اخبار الكويت.
المصيبة انه كان يشاهد القادمين من الكويت في اجازة اخر السنة بالصيف.
ويشوف كلابياتهم النظيفة وساعاتهم الذهبية اللامعة ورائحة العطور تفوح من يشامغهم وعقالاتهم المنكوسة على جنب.
وكلشانهم الخليجية...
ومارلبورو ابيض.
جنّ جنون علاوي ورا الكويت..
العدام اشكثر بيه خير وعز..
والله الا اروح عالكويت لو ابيع هدومي...
العمى.....!!!!
اشجاب عيشتنا على عيشتهم...
كبسة دجاج ولحم..وروب ودقوس...
ما تصح لشيخ العربان.
المسكين علاوي يظن الكويت فلوس محطوطة عالرصيف وكل من يجي يعبي الكيس ويمشي.
ما يدري بهالمساكين اهل الكلابيات البيض شلون عايشين؟
الغشيم يحسب ان منظرهم الخارجي يوحي كأن أحدهم في منصب لا يقل عن محافظ أو مدير شركة..
ما يندل ان رجلينهم مفطورة وبيها كل شق يفوّت عصفور من ضيم الشغل في حر الصيف القاتل .
المهم...
رفيجنا باع تالي خواتم وسفايف العجوز وجهّز حالو عالسفر..
ثاني يوم نزل على المزاد ونتعلو شنطة كبيرة مشان يحط بيها أغراضه.
أجا عالبيت وبلّش يعبّي ويسفط بالسراويل والقصاير والبشكير وصابون زيت الغار وخلّى مكان لقطرميز السمن والمكدوس والكليجة وظل يدحس بيها غراض ليما صارت عبالكم بطن كديشة يا دوبو ينقها.
أجاك مزرعد ثاني يوم من الغبشة على كراج الكويت بالفيحة.
نادى على ابو القهوة المجاور للمكتب:
هات شاي هات.
وطلّع باكية الحمرا وبلّش يمزّ بيها وعيونه طايرة تراقب وصول الباص.
هاهو الباص قادم..
تنفس علاوي الصعداء وقال:
ايييييييه توي تا برد قلبي.
صفّ الباص بسد المكتب وشال علاوي الشنطة بمساعدة ابو الباص الذي قال له:
شنو معبّي بجنطتك؟؟ اشوفها ثجيلة؟؟؟؟
خو منت رايح عالحرب؟
فضحك علاوي وقال:
شيل عمي شيل...
احمد ربك بس هالجنطة ..جاي على بالي احط حتى بامية ولحم لو مو خايف يجيف عالدرب..
سمعت انو بالكويت اللحم الاسترالي عبالك لحم فطايس.
بس شنريد انسوي؟؟
انطلق الباص بعد اكتمال الركاب .
قال الشفير:
سبحان الذي سخّر لنا هذا وماكنا له مقرنين.
كان علاوي يستمع وبنفس الوقت كان يقرأ اللوحة الصغيرة المعلقة في وسط اللاندون.
عند وصولهم دوار السكرية باتجاه دير الزور مد يده الى جيبه وأخرج باكية الحمراء وشعلها ليما غدا دخانها عبالك دخان نامورة.
البساتين والمزارع على يمين وشمال الطريق جعلته يعيش في أجواء رومانسية..
هاهي التنانير وقد تصاعد منها دخان نار حطب القطن.
وهاهي الجحاش تزرّع وتطارد كفريق كرة قدم ناس تركض ورا ناس.
وهاهي الشاويات شايلات سطول الحليب أو قايدات الهوايش للشرب.
التركتورات متعاجبات عبالك نمل.
واحد شايل بزر قطن..
وواحد شايل حصو.
والثالث معبي العربانة حطب قطن .
والبعض منها يحمل افراد العائلة وهم جميعا يركبون عالواقف وكامشين حديد العربانة في منظر ولا أجمل منه في كوكب الارض.
عشاير - الغبرة - السيال......
والطريق يمتد الى الصالحية وطلعة الدوير...
نزلوا من طلعة الدوير الى اوتوستراد الكشمة..
هناك بدأت تتغير فصول المشاهد.
أهل الشويط طافحين على مطوراتهم النارية بسرعة ستين.
لا ضوء لا زمور لا مراية..
الناس ماشية بقدرة قادر.
النسوان بينهن من بدأت تجمع خثايا البقر وتقوم بتسفيطها على سور البيت كأنها ألغام حربية.
والتركتورات شايلة من ملح الصراة.
وصلوا الى العشارة..
زحمة والطريق محفور وكل نقرة تفوّت سيارة.
ناس عايشين يصنعون لحالهم ما يريدون ..
اللي يبيع واللي يشتري واللي يقود بسكليت واللي يعدي بالعربانة والحصان والطريزينات.
خبصة عبالك سوق حرج.
وصلوا دير الزور.....دمشق....درعا...
أكلوا على الطريق وشربوا شاي..
وصلوا الى جوازات درعا..
طق طق طق ...تم ختم الجوازات في ربع ساعة..
وانطلقوا للاردن....
سحبة واحدة ما وقفوا للأزرق.
قعدوا وأكلوا وارتاحوا وخرّجوا جوازاتهم من العمري وقالوا وينك يا حديثة..
بعد ساعتين كانوا على طريق القريات...
تقريبا قطعوا نص الطريق وما زال علاوي فاتح فمه وبس عيونه تتلاوز...كا شي أمامه جديد..
لن اطيل عليكم في وصف حالة بقية الركاب لأن هذا يطول جدا.
ولكني سأركز على شخصية علاوي المدلل (( بطل القصة )).
وصلوا حاجز عرعر..
الشرطة وجوههم ممرمحة من العجاج عبالك رعيان غنم.
ما بيهم حدا يقرا ويكتب.
يكمشون االيستة بالمقلوب ويسوّون حالهم يقرون.
وبس يؤشّر بيده قائلا:
امش...كمّل طريجك....
يمضي الباص بأقصى سرعة فالطريق ما زال طويلا.
بعد حفر الباطن يجي السالمي....
اه اه اه .اوف...هاهي أضواء الكويت بانت.
علاوي بدأت أعصابه تتوتر..
يريد الطريق يلتوي أو يطير طيران بس تا يكحل عيونو بشوفة الحساوي.