متيخة وجقــّــصلو...تراث ممتع

يحتل التراث الشعبي مكانة رفيعة في قلوب الكثيرين.
فهو يجمع بين المتعة والفائدة والمعلومة السهلة التي تقود القاريء حيث الذكريات واستحضار الماضي الجميل وبساطة الحياة ونغمة الحنين .
ولكل بلد ومنطقة وقرية في العالم .هناك شريط من التراث العذب.يصنعه اصحاب المدينة والقرية
ويعيشونه كواقع ملموس ..والتراث لا ينحصر في المكان فقط.
بل ان للأشخاص دورا هاما في كتابة صفحاته.
ولا يوجد اجمل وامتع من التراث الذي يروي سيرة اشخاص عاديين لهم صفات مميزة
يستحضرها الناس بالطرافة والاعجاب ويتندرون بها لخصوصية حالات هؤلاء الاشخاص.
في البوكمال....هناك قدر وافر من هؤلاء البسطاء الذين أتحفوا تراثنا الشعبي بقصصهم المثيرة.
يحضرني قصة شخصين(( لن اذكر الاسماء )).جمعهما شريط ممتع من هذه الذكريات التراثية.
(( وقد أضفت اليهما الكثير من نسج الخيال لاغناء المشاركة بما تستحق ))..
الشخصية الأولى لشخص طريف وممتع جدا اسمه (( متيخة ))......
الاسم مشتق من متخ الشيء ...- جعله قطعا متناثرة -
والثاني اسمه (( جقّصلو ))..وهذا لقبه...(( سأشرح سبب التسمية لاحقا )).
كان متيخة شابا ممتليء الجسم ...كثير التذمر...يحب الطعام كحبه للحياة ورضى الوالدين.
(( ان اردت ان تكتسب صداقته اعطه سندويشة فلافل )).
الطريف والمضحك في حياة متيخة هو تواجده الدائم على مقربة من المطاعم.
وقد شاهده البوكماليين جميعا وهو يؤدي (( الجزء المضحك في الأكل )) عندما كان يضع
السندويشة في فمها ويقضمها بشكل عشوائي....فهو لا يستخدم طريقة النهش بالتسلسل.
بل يأكل لقمة من أعلى السندويشة واللقمة الثانية تكون من الوسط.
حتى يوحي للمشاهد بأن هناك شراهة بالغة في التناول والبلع.
وكان من عادته عندما يكون في لحظة الطعام ان يتضايق من أي سؤال..بل يشتم السائل.
فاذا قال له احدهم:
- وين يا متيخة؟؟؟
يجيب بحنق وغيظ:
- أمتخ عرضك...هههههههههههههههه
(( الروعة تكمن في لحظة النطق بكلمة - أمتخ عرضك - ان تتناثر شظايا فتات الطعام

من فمه وكأنها - انفجار لغم أرضي - ..
أعود الى الشخصية الثانية وهي (( جقّصلو ))....ههههههههههههه
كان يعمل كاتب استدعايات وعرائض....
لم يكتب يوما لأحدهم معروضا الا وانتهى بالرفض.....لماذا؟؟؟
كانت الجهة التي تستقبل المعروض تحاول جاهدة ان تفك شيفرة رموز كتابته الرديئة
فلا تستطيع قراءة سطر واحد من المعروض....فتعيده الى مقدمه مع الرفض.
فيأتي صاحب المعروض الى الكاتب ويقول له:
- ول ياخي ما انقبلت العريضة..شكون السالفة؟؟؟
فيقول - جقصلوا ...:
- والله يا أخي أتحدى واحد بالعالم يكتب عرايض مثلي..
بس مدري ليش رفضها (( ابن المجقوصة ))..؟؟؟
فكانت كلمة المجقوصة هي التي منحته هذا اللقب المميز.
المهم....بدأ الناس يبحثون عن غيره في كتابة الاستدعيات فكاد يجن من الحيرة والتعجب.
وضعفت وارداته المالية من وظيفته فعاش لا يدري كيفية تدبير شؤونه.
القصة المثيرة التي جمعت بين متيخة وجقصلو جاءت في صيف احد ايام البوكمال الجميلة.
فقد حضر طاقم فيلم وثائقي مشترك بين سوريا وايطاليا...لتوثيق حياة اهل مملكة ماري.
وكيف كانوا يعيشون في ذلك الزمان.
يتطلب التصوير ايجاد مجموعة من الشباب الذين يقومون بتمثيل ادوار اهالي مملكة ماري.
فنزلت الاعلانات تطلب التسجيل مقابل 50 ليرة للشخص الواحد.
طبعا ..سيكون متيخة وجقصلو من أوائل المسجلين.(( الشغلة بيها 50 ورقة ))....
على حساب متيخة بيها خمسين لفة فلافل في نصف ساعة من التمثيل.
تم التواجد في مسرح التمثيل وهاهو المخرج يوزع الادوار.
طلب من الشباب وعددهم حوالي 30 ان يمثلوا دور المنتحرين..
سيناريو الفيلم ينص على ان محبة سكان ماري لوطنهم تدفعهمللانتحار عندما شعروا بأن مرض
الجدري قد أصاب قسم منهم..وحتى لا ينتشر المرض في المدينة يقوم هؤلاء المرضى بالانتحار لانقاذ الباقين من سكان المدينة كنوع من التضحية.
قال المخرج للشباب:
- انتم انبطحوا على الارض وتظاهروا كأنكم أموات(( أغمضوا اعينكم وناموا ))....
بعد ذلك يأتي البطل والبطلة ويمرون من فوق الجثث الميتة ويتابعون ادوارهم في التمثيل.
مشت الامور كما يرام....
وعندما وصل البطل والبطلة فوق متيخة ((انظروا ما ذا فعل؟؟؟؟ ))..
- خ خ خ خ كه كه كه كه بصوت عالي (( على اساس انه ميت ))...
فلما سمع الباقون قهقهات متيخة انفجروا ضاحكين ففشل التصوير.
اعادوا المقطع مرة ثانية...وفي نفس المكان قام متيخة يضحك ففشل التصوير وأبعدوه .
فحلف بكل الاديان انه لن يضحك مرة اخرى ..ولكن الطرد كان حليفه.
نعود ال جقصلو...
قال المخرج:
- بدنا منك ترمي حالك من هالحايط الصغير 2 متر.
واحنا بفضل الخدع السينمائية سنقوم بتطويل الجدار حتى يبدو 40 متر.
انت ما عليك الا ان تنتظر العد...ون ..تو ...وبس تسمع تري..ارمي حالك..
(( يالها من مهمة سهلة فقد فرح جقصلوا كثيرا ))..
صعد الى الحايط فتم فتح الكاميرا والعد...ون.....تو...
وقبل ان يقول المخرج كلمة تري....تزحلقت طابوقة من الجدار القديم تحت أرجل جقصلو
فسقط على وجهه في منظر يفتت القلوب من شدة الضحك.
لقد كان حظه سيئا جدا...فنهض وهو يتألم من الوجع وقال للمخرج:
- يلعن ابوك على ابو الفلم يا ابن الكلب..
تكسرت زروري من وراك...
اقسم بالله الا تنخر خمسين ورقة مثل الخوش ادمي قبل ما اخلي الكامرات كل وحدة بديرة.
فاعطوه 50 ليرة وأبعدوه كما فعلوا مع متيخة.
فدخل الاثنان في قصص التراث الطريف الممتع بسهولة.
فكنا نقول لجقصلو (( من باب الدعابة )) :
- جاك المخرج يريد الخمسين...
فيقول بتحدي:
- والله ما ياخذ قرش ابن المجقوصة - .
تلكم هي قصتي المتواضعة.
اتمنى لكم متعة القراءة
سعيد الرجيب